نجاة مجيد.. طبيبة مغربية كرست حياتها للدفاع عن حقوق الأطفال
نجاة مجيد.. طبيبة مغربية كرست حياتها للدفاع عن حقوق الأطفال
تأثرت الطبيبة المغربية، نجاة مجيد، بمسرحية "الآن منتصف الليل يا دكتور شويتزر" لجيلبير سيسبرون، والتي كانت تتحدث عن الطبيب الألماني الذي سافر إلى الغابون في منتصف القرن العشرين لمحاربة مرض الملاريا وإنقاذ حياة الناس.
لم يقتصر إلهامها على أن تكون مجرد متفرجة في مسرحية، بل قررت أن تصبح هي نفسها بطل القصة، مع إضافة تفاصيل جديدة وحقيقية لمسيرتها الخاصة.
اختارت نجاة أن تكون طبيبة أطفال، بعدما اقتنعت بأن الطفل هو الأمل والمستقبل، وأن الطب لا يقتصر على العلاج والدواء فقط، بل يشمل التربية والوقاية.
من بداية صعبة لقائدة إنسانية
بدأت قصة نجاة مجيد من صباها في المغرب، حيث عاشت طفولة قاسية جعلتها تتفهم المعاناة التي يمر بها الأطفال.
في سن الثالثة عشرة، عملت في أحد المصانع المغربية، لكن مع مرور الوقت، قررت أن تكون صوتاً للطفولة، وتخصصت في طب الأطفال، معتبرة أن الأطفال هم أولى باهتمامها.
دخلت إلى المجال الطبي من خلال دراستها للطب العام في الدار البيضاء ثم الرباط، تلتها دراسة طب الأطفال في بوردو بفرنسا.
وفي الوقت نفسه، لم تكتفِ بالتعلم فقط، بل تطوعت في مراكز رعاية الأطفال دون مقابل، ملتزمة بتقديم الرعاية الصحية للأطفال الأقل حظاً.
صدمة من الواقع
عادت نجاة مجيد إلى بلدها المغرب بعد سنوات من الدراسة والتدريب في الخارج، لكنها واجهت واقعاً مريراً، حيث عملت في البداية كطبيبة أطفال في مصحة الضمان الاجتماعي، لكن سرعان ما تصادمت مع التحديات الكبرى التي تواجه الأطفال في المغرب، وخاصة أطفال الشوارع.
انخرطت في العمل المجتمعي مع مركز “للا حسناء” وجمعية “ساعة الفرح”، حيث قدمت رعاية صحية وتعليمية للأطفال، وعملت على محاربة الأمية والتوعية الصحية للأمهات.
لكنها، وعلى الرغم من عملها المستمر، كانت تواجه تحديات كبيرة، حيث تعرضت مرات عدة للاحتجاز من قبل الشرطة بسبب محاولاتها المستمرة لتحسين أوضاع أطفال الشوارع الذين كانوا يُعتبرون في القانون المغربي متسولين.
لم تكن هذه العقبات سوى دافع لها لتسليط الضوء على معاناة هؤلاء الأطفال، وهو ما دفعها في عام 1999 إلى تقديم تقرير في المؤتمر الوطني الأول عن الأطفال في المغرب، تحت عنوان "هم أكثر من 2000، ولكن لا يظهر لي منهم إلا اثنان".
كان هذا التقرير نقطة تحول كبيرة، حيث لاقى اهتماماً واسعاً وأدى إلى جولة ميدانية استمرت عاماً ونصف العام، اقتربت فيها نجاة من حياة هؤلاء الأطفال، وهو ما دفعها لإطلاق جمعية "بيتي" في 2000.
نقلة نوعية في رعاية الأطفال
أسست نجاة مجيد جمعية "بيتي" لرعاية الأطفال في المغرب، والتي كانت بمثابة طوق نجاة للأطفال الذين يعانون من التشرد والإهمال.
حققت الجمعية نجاحاً كبيراً في تقديم الرعاية للأطفال، وعملت على تحسين أوضاعهم عبر توفير مراكز إيواء، رعاية صحية وتعليمية، وخدمات نفسية.
وفي عام 2000، حصلت الجمعية على جائزة حقوق الإنسان من الجمهورية الفرنسية تقديراً لجهودها الإنسانية.
كما تم اختيار نجاة مجيد لتكون عضواً في المجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان، لتشارك في صياغة سياسات وطنية لحماية الأطفال.
صوت عالمي للأطفال
لم تتوقف نجاة عند حدود المغرب، بل انطلقت نحو العمل على المستوى الدولي، وبدأت بتوسيع تعاونها مع المنظمات الدولية مثل اليونسكو واليونيسف، كما شغلت منصب عضوية مجلس المنتدى الإفريقي لسياسة الطفل.
عملت على برامج موجهة لتخفيف معاناة الأطفال حول العالم، وفي عام 2008، تم اختيارها لتشغل منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني ببيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية، واستمرت في هذا المنصب حتى عام 2014.
في 30 مايو 2019، عينها الأمين العام للأمم المتحدة ممثلة خاصة له معنية بالعنف ضد الأطفال، وهو المنصب الذي تشغله حتى الآن.
طوال هذه السنوات، قدمت مجيد مساهمات غير محدودة في تعزيز حقوق الأطفال وحمايتهم، بما في ذلك العمل مع حكومات ومنظمات دولية لتطوير سياسات وطنية لحماية الطفل.
حروب ونزاعات وأطفال ضحايا
في ظل ما يعانيه الأطفال في مناطق النزاع والحروب، من بينها غزة ولبنان والسودان، أطلقت نجاة مجيد نداءً عاجلاً حول معاناة الأطفال في هذه المناطق، مؤكدة أن "الأطفال ليسوا مسؤولين عن الحرب، وهم ليسوا مسؤولين عن أزمة المناخ، لكنهم يدفعون ثمناً باهظاً".
وأشارت نجاة إلى أن العنف ضد الأطفال قد وصل إلى مستويات غير مسبوقة نتيجة الأزمات متعددة الأوجه والمترابطة مثل الحروب، والتغير المناخي، والجوع، والنزوح.
تواصل نجاة مجيد عملها بلا كلل من أجل تحسين حياة الأطفال حول العالم، حيث باتت اليوم رمزاً للإنسانية، ورمزاً للطبية المدافعة عن حقوق الطفولة، التي جعلت من هذه القضية مسألة حياتها.